عناصر الخطبة
1/أعمال يسيرة ومكاسب كبيرة 2/أمثلة لأعمال أجورها عظيمة 3/ليكن لك صدقة في كل يوم 4/من ثمرات الاعتياد على الصدقاتاقتباس
مِنْ سَعَةِ رحمةِ ربِّنا بنا أن شَرعَ لنا أعمالاً صالحةً يسيرةً، رتّبَ عليها أجوراً كبيرةً، تَفُوقُ العملَ، وتَزيدُ عليه بدرجاتٍ لا تُقارِنُها ولا تُقارِبُها، والعبدُ الموفقُ هو مَنْ يُسابِقُ الزمنَ في تحصيلِ أيسرِ الأعمالِ بأكبرِ المكاسِبِ؛ ليملأَ عُمُرَهُ القصيرَ بكنوزِ تُثقِّلُ موازينَ حسناتِهِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ، نحمدُهُ أبلغَ الحمدِ على جميعِ نِعَمِهِ، ونسألُهُ المزيدَ من فضلِهِ وكرمِهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ ربُّ العالمينَ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الصادقُ الأمينُ، صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[آل عمران: 123].
أيُّها المؤمنونَ: مِنْ سَعَةِ رحمةِ ربِّنا بنا أن شَرعَ لنا أعمالاً صالحةً يسيرةً، رتّبَ عليها أجوراً كبيرةً، تَفُوقُ العملَ، وتَزيدُ عليه بدرجاتٍ لا تُقارِنُها ولا تُقارِبُها، والعبدُ الموفقُ هو مَنْ يُسابِقُ الزمنَ في تحصيلِ أيسرِ الأعمالِ بأكبرِ المكاسِبِ؛ ليملأَ عُمُرَهُ القصيرَ بكنوزِ تُثقِّلُ موازينَ حسناتِهِ.
فخُذُوا الآنَ خمسةً يسيرةً أجورُها كبيرةٌ:
الأول: تمرةٌ أَدخَلَتِ الجنةَ: دخَلَتِ امرأةٌ فقيرةٌ وطِفلتاها على عائشَةَ -رضيَ اللهُ عنها-، فأعطَتْها ثلاثَ تمراتٍ، فأعطَتِ الأمُّ كلَّ بنتٍ تمرةً، وشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فأتَى النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فحدَّثَتْهُ مُتعجِّبةً، فقالَ: "ما عَجَبُكِ، لقد دخلَتْ بِهِ الجنَّةَ"(سنن اين ماجه)، فهنيئًا لأهلِ النخيلِ والمُتَمِّرينَ فضلَ ربِهم، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ"(متفق عليه).
الثاني: غُصنُ شجرةٍ أدخلتِ الجنةَ: قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لقد رأيتُ رجلًا يتقلَّبُ في الجنَّةِ؛ في شَجرةٍ قطعَها من ظَهْرِ الطَّريقِ، كانت تؤذِي النَّاسَ"، وفي روايةٍ: "وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ؛ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَه"(صحيح مسلم)، فهنيئًا للمُنقِذِينَ والمتطوِّعينَ، ولِمَنْ يَشتغلُ بإصلاحِ الطرقِ، وموظفِي الزراعةِ والبلدياتِ على نفعهِمْ للناسَ.
الثالث: شَرْبةُ ماءٍ أدخلَتْ زانيةً الجنةَ: قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بينما كلبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، كادَ يقتُلُه العطشُ، إذْ رأَتْهُ بَغِيٌّ من بَغايا بَني إسرائيلَ، فنزَعَتْ مُوْقَها فسَقَتْهُ؛ فغُفِرَ لها به"(متفق عليه)، فهنيئًا للسُقاةِ بالمساجدِ والمَجامعِ، ولأهلِ البراداتِ والوايتاتِ ولمصلحةِ المياهِ إنْ همُ احتَسبُوا.
وسبحانَ اللهِ، ما أوسعَ رحمة اللهِ! فإنَّ هذهِ الزانيةَ غُفِرَ لها؛ لِمَا قامَ في قلبِها من الإخلاصِ للهِ، فقد سقَتْ ولم يَرَها أحدٌ، ولحيوانٍ لا يؤْبَهُ لهُ، وكم مِن عملٍ حقيرٍ عظّمَتْهُ النيةُ، فإذا كانَ الإحسانُ إلى الكلابِ يُغفَرُ به الخطايا، فكيفَ بالإحسانِ على إنسانٍ وحّدَ ربَ البرايا؟!.
الرابع: رغيفٌ أَدخلَ صاحبَهُ الجنةَ: قالَ ابنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: "إنَّ راهبًا عبَدَ اللهَ في صومعتِهِ ستينَ سنةً، فجاءتِ امرأةٌ فنزلتْ إلى جنبِهِ، فنزلَ إليها، فوَاقَعَها سِتَ ليالٍ، ثم سُقِطَ في يدِهِ، فهرَبَ، فأتَى مسجدًا، فأوَى فيهِ ثلاثًا، لا يَطعَمُ فيهِ شيئًا، فأُتيَ برغيفٍ فكسَرَهُ، فأعطَى رجلًا عن يمينِهِ نصفَهُ، وأعطَى آخرَ عن يسارِهِ نصفَهُ، فبعثَ اللهُ إليهِ ملَكَ الموتِ، فقَبضَ روحَهُ، فوُضعِتْ الستونَ سنةً في كِفَّةٍ، ووُضعتِ الستُ ليالٍ في كفةٍ، فرَجحَتِ الستُ، ثم وُضِعَ الرغيفُ، فرَجَحَ على الستِ"(رواهُ ابنُ أبي شيبةَ، وصححهُ موقوفًا الألبانيُ)، إنه رغيفٌ واحدٌ مسبوقٌ بتوبةٍ، فيا مُذنبًا تُبْ وتصدقْ.
الخامس: ريالٌ أَدخلَ صاحبَهُ الجنةَ: نَعَم، ريالٌ، ألستَ تشترِي لأهلِكَ كلَّ يومٍ بريالٍ خبزاً، فهل احتسَبْتَهُ؟! قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دينارٌ أنفقتَهُ في سبيلِ اللهِ، ودينارٌ أنفقتَهُ في رقبةٍ، ودينارٌ تصدقتَ به على مسكينٍ، ودينارٌ أنفقتَهُ على أهلِكَ؛ أعظمُها أجراً الذي أنفقتَهُ على أهلِكَ"(مسلم).
أرأيتَ كيفَ كرَمُ ربِّنا معَنا؟! فـ"لا تَحقِرنَّ من المعروفِ شيئاً"، لأنكَ لا تدرِي أيَّ عملٍ يُدخلُكَ الجنةَ، فرُبَّ عملٍ ضخمٍ مردودٌ داخَلَتْهُ النيةُ، ورُبَّ عملٍ يسيرٍ خلَّصَكَ؛ لإخلاصِكَ فيهِ النيةَ، فزيِّنِ النيةَ يَزِينُ لكَ كلُّ شيءٍ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ذي الفضلِ والكرمِ، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ رسولٍ لخيرِ الأممِ.
أما بعدُ: فإذا حُشِرَ الناسُ يومَ القيامةِ، ودنَتِ الشّمسُ من الرؤوسِ، فإنّ المتصدِّقينَ يتفيَّؤُونَ في ظلِّ العرشِ، وتَسترُهُم صدقاتُهُمْ من لَفْحِ جهنّمَ، كما صحَّ أنهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: "كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ"(مسند أحمد)، وكانَ أحدُ رواةِ الحديثِ -واسمُهُ أَبُو الخَيْرِ- لاَ يُخْطِئُهُ يَوْمٌ منذُ سَمِعَ هذا الحديثَ إِلاَّ تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَعْكَةً، أَوْ بَصَلَةً.
فمِنَ الجميلِ أن يكونَ لكَ مشروعٌ يوميٌ منَ الصدقةِ لا تَدَعُهُ، لا سيَما أولَ النهارِ، كالفطائرِ الجاهزةِ، أو ريالاتٍ، أو خُبزاتٍ، أو تسديدٍ عن مُشترٍ إفطارَهُ، أو استقطاعٍ الكتروني يومياً عبرَ منصةِ إحسانٍ، أو قنواتِ الجمعياتِ التطوعيةِ الرسميةِ.
وإليكم ثلاثَ فوائدَ يستفيدُها مَن عَوَّدَ نفسَهُ على الصدقةِ ولو قليلةً:
الأول: بالصدقةِ تدعُو الملائكةُ لكَ -ودعاؤُها مستجابٌ- فإنها تقولُ: "اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"(متفق عليه).
الثاني: بالصدقةِ تنتصِرُ على الشياطينِ وتقهرُها، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شَيْئًا مِنَ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ عَنْهَا لَحْيَيْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا"(مسند أحمد).
الثالث: للصدقةِ تأثيرٌ عجيبٌ في دفعِ أنواعِ البلاءِ، ولو مِن فاجرٍ أو ظالمٍ، كالأمراضِ، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دَاوُوا مرضاكُم بالصدقةِ"(رواه البيهقي وحسنه الألباني).
فاللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، اللهم اجعلنا أغنَى خلقِكَ بكَ، وأفقرَ عبادِكَ إليكَ، وبارِكْ في أرزاقِنا، اللهم احفظْ علينا دينَنا وبلادَنا وأعراضَنا ومقدساتِنا ومجاهدِينا، اللهم احفظْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِهِ، وارزقهُم بطانةَ الصلاحِ، واكفِنا وإياهم شرَّ الأشرارِ وكيدَ الفجارِ.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم