النداء الودود الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ
الشيخ عبد الله بن علي الطريف
النداء الودود الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ 1447/6/28هـ
الحمد لله الذي فرضَ الصلاةَ على العباد رحمة بهم وإحسانًا، وجعل صلاة الفجر لمن أقامها بوقتها نورًا وبرهنًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالِقُنا ومولانا، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله أخشى الناس لربه سرًّا وإعلانًا.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أما بعد أيها الإخوة: حَدَثَتْ أُمُّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «كَانَ مِنْ آخِرِ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ حَتَّى جَعَلَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيصُ بِهَا لِسَانُهُ». رواه أحمد قال شاكر: وهو صحيح لغيره. يُلَجْلِجُهَا [أي: يردِّدُها، ويكررها، من شدة الاهتمام بها] وَمَا يَفِيصُ [ما يقدر على الافصاح بها].
أحبتي: تأملت هذه الوصية النبوية.. وسألت نفسي لماذا أوصى بها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- في هذا الوقت العصيب من حياته وهو في النزع؟ ولماذا رددها فقال: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ».؟! فتبين لي أَنَّ النَبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- فعل ذلك لأن للصلاة في الإسلام منزلة عظيمة لا تعدلها منزلةٌ أي عبادة أخرى.!! فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ» رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.
وأعظم الصلوات المفروضة صلاة الفجر التي خصصت بنداء ودود، وبدعوةٍ جليلة يرفعُها المؤذنُ فيقول في ندائها: الْصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ.. ثم يعيدها تأكيدًا لها.. فهل تأملنا معنى هذا النداء وتأملناه الخيرية التي أراد.!
أيها الأخ المبارك: نعم الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ؛ لأن النوم استجابة لنداء النفس الأرضي.. أما النهوض إلى أداء الصلاة في وقتها فهو استجابة لنداء الله تعالى العلوي..
الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ؛ لأن النومَ موت.. والصلاة حياة.. ولأن النوم راحة للبدن والصلاة راحة للروح..
الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ: لأن الخلق كله يشترك في النوم.. لكن الصلاة ينفرد بها المؤمنون.. ولذا نادانا المنادى مع أنفاس اليوم الجديد: الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ..
الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ: لأن صلاة الفجر طريق إلى الجنة، وسببٌ للنجاة من النار.. قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ» الصُّبْحُ والعَصْرُ. متفقٌ عَلَيْهِ. عن أَبي موسى رضي الله عنه. وقَالَ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا». يعني: الفَجْرَ والعَصْرَ. رواه مسلم عن عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه.
الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ: لأنها سبب للتنعم برؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة.. قال جَرِيرٌ -رضي الله عنه-: كُنَّا عِنْدَ الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ [من الضمّ أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض ولا يقول أرنيه بل كلّ ينفرد برؤيته] فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا، -يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ- ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها) [طه:130].. رواه البخاري.
الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ: لأنها سبب في دخول حِمَى الملك سبحانه وتعالى وأَمَانِهِ.. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». رواه مسلم عن جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه.
قيل من معني الحديث: لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها، فينتقض العهد الذي بينكم وبين ربكم، فيطلبكم الله به، ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرّط في حقه أدركه، ومن أدركه كبَّه على وجهه في النار.. الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ: لمن صلى العشاء والفجر في جماعة لأن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- قال: «مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ الَّليلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ». رواه مسلم عن عثمانَ رضي الله عنه.
الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ: لمن صلى الفجر في جماعة لأنها صلاة مشهودة قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ وَصَلاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ، فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي.؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا). فنعمت الشهادة والشاهد.. رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ: لقولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِي العَتمَةِ وَالصُّبحِ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا» أي مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ وحبوًا على الأيدي والركب. متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أيها الإخوة: وراتبة الفجر أفضل الرواتب قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وفي لفظ: «لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا» رواهما مسلم عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- ووصفت حرصَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: على راتبة الفجر فقالت: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: فِي شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ». رواه مسلم.. وراتبة الفجر مشروعة حتى لمن فاته وقت الصلاة، فلو أن مسلمًا غلبه النوم فلم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، فإنه يصلي الراتبة لأن النَبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: حِينَ نَامَ في السَفَرِ فَلَمْ يستيقظ هو وأصحابه إلا بعدما ضربتهم الشمس، فأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ؛ ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ عَجِلٍ، ثُمَّ قَالَ لِبِلَالٍ: «أَقِمْ الصَّلَاةَ ثُمَّ صَلَّى الْفَرْضَ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ». رواه أبو داود وصححه الألباني.. ومن فاتته راتبة الفجر فله أن يؤديَها بعد الفريضةِ مباشرة أو يؤجلَها إلى الضحى.. أما إذا قام النائم وبينه وبين خروج الوقت دقائق لا تتسعُ إلا للفريضة فإنه يبدأ بالفريضة.. وفقنا الله للفقه في ديننا وجعلنا هداة مهتدين بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية
أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى واحذروا كل الحذر من تأخير صلاة الفجر عن وقتها، ووقتها من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس..
أما من يضع المنبه للدوام بعد طلوع الشمس متعمدًا تأخير صلاة الفجر إلى هذا الوقت فقد وقع في خطأٍ جسيم، وهو على خطرٍ عظيم، ولا أدري كيف يهنأ بالنوم، من أخر صلاة الفجر عن وقتها وفرط بما فيها من أجور.. تُرَى ما الذي أقعده.؟ هل الجهل بالخسارة والفضل.. أم غلبه وأقعده الكسل.. فَأَنْسَتْهُ المتعةُ العابرة ولذةُ النوم الزائلة ما ينتظره.؟!. فيامن فرط بصلاة الفجر في وقتها مع الجماعة.. اعزم واجعل مشروعك العاجل اليوم العزم على القيام لها.. واصطبر عليها، تعتادها، وخذ بالأسباب التي تعينك على القيام ومنها: صدق النية والعزيمة عند النوم على القيام للصلاة.. واحرص على الطهارة وقراءة أذكار النوم.. وبادر بذكر الله تعالى عند الاستيقاظ مباشرة حتى تُحَلَّ إحدى عقد الشيطان عنك أعاذنا الله منه.. وبادر بالقيام من فراشك بعد الاستيقاظ.. قَالَتْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ -لصلاة الفجر- وَثَبَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ، وَإِلَّا تَوَضَّأَ وَخَرَجَ». رواه البخاري. لأن المبادرة بالقيام بعد الاستيقاظ تطرد النوم ومن لم يبادر بالقيام عند استيقاظه قد يعود إلى النوم مرة أخرى.. وضع منبهًا مناسبًا لإيقاظك.. وأبشر بخير وظن بربك خيرًا فهو تعالى عند ظنِ عبده به..
اللهم وفقنا لأداء فرائضك، وأعنا على الاستيقاظ لفرضك في وقته.. ووفقنا للتوبة النصوح والقيام بما أوجبته علينا..