"كمْ كرَّمَ الإسْلامُ المرأةَ!" 21/6/1447

أحمد بن ناصر الطيار
1447/06/18 - 2025/12/09 11:01AM

الحمد لله المتفردِ بوحدانيةِ الألوهية, المتعزّز بعظمة الربوبية, القائمِ على نفوس العالم بآجالها, والعالمِ بتقلّبها وأحوالِها, وأشهد أن لا إله إلا اللهُ فاطرُ السموات العلا, ومنشئُ الأرضين والثرى, وأشهد أن محمدا عبدُه المجتبى, ورسولُه المرتضى, أكْمَل به الإيمان, وأظْهَره على كلّ الأديان، فصلى الله عليه وسلم مَا دار في السماء فلك, وما سبّح في الملكوت ملَك, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد, فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ الإسلام كرّم المرأة وصانها وحفظ حقوقها، ويكفي في بيان ذلك قولُ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم -: «خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي». [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (3895) وَصَحَّحَهُ.]

قال الشوكانيّ رحمه الله: في ذلك تنبيه على أعلى الناس رتبةً في الخير، وأحقُّهم بالاتصاف به هو من كان خيرَ الناس لأهله، فإن الأهل هم الأحقّاء بالبِشْر وحسن الخلق, والإحسانِ وجلبِ النفع ودفع الضر، فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس, وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر، وكثيرا ما يقع الناس في هذه الورطة، فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأَ الناس أخلاقا, وأشجعَهم نفسا, وأقلَّهم خيرا، وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته, وانبسطت أخلاقُه, وجادت نفسُه, وكثُر خيرُه، ولا شكّ أن من كان كذلك فهو محروم التوفيق, زائغ عن سواء الطريق، نسأل الله السلامة. ا.ه [نيل الأوطار: 6/ 245- 246].

ومن صور تكريم الإسلام للمرأة: إعطاؤُها الحقّ باختيارِ الزوج الكفء.

ومنعُ الفتاة من الزواج مطلقًا، أو من زوج كفء صالح ارتضته حرامٌ، ويسمّى في الإسلام: "العضل"..

وهو جريمة إنسانيّة، ومخالِفةٌ للشريعة الإسلاميّة..

أيّها العاضل: ألا تتذكر مرارة وحسرة من عضلتها حينما منعْتها من حقّها في الزواج، أو اختيارِ الزوج الذي ارتضته وركنت إليه؟؟

وكم من فتاة كرهت الزواج وعاشت طول عمرها عانس.. بسبب منع هذا العاضل من الزواج حينما رغبت؟

فيبوء هؤلاء بالإثم.. ولا تسأل عن الحسرة التي تُلازمهم طول حياتهم..

وكلّ من سعى في صدّ الفتاة البالغة العاقلة عن الزواج بكفء رغبته، سواء كان أخًا أو أبًا أو أمًّا أو أختًا أو عمًّا أو خالاً.. وسواء منعوها صراحةً.. أو قاطعوها.. أو قسوا عليها.. أو دلّسوا عليها ونفّروها منه.. بذكر عيوب وهميّة.. كـ "فارق السنّ"، أو "قلّة الدخل"، أو "إذا تزوجت أختها الأكبر منها" أو نحو ذلك: فهؤلاء كلّهم قد ارتكبوا جريمةً عظيمة، ومخالفةً للدّين صريحة..

ومن صور العضل: ألاَّ يزوجها وليّها إلاَّ من الأسرة أو القبيلة نفسها، في نظرة دونيَّة لمن سواهم، أو بدعوى المُحافظة على النسب؛ تفاخرًا بالأحساب، وطعنًا في الأنساب..

فالواجب على الولي أن يزوّج مُوليّته من الخاطب الكفء الذي رضيت به، وإلا كان عاضلا لها.

وقد قال أهل العلم: " فإن رَغِبَتْ في كُفْءٍ بعَيْنِه، وأراد – وليُّها - تَزْوِيجَها ‌لغيرِه ‌من ‌أكفائِها، وامْتَنَعَ من تَزْويجِها من الذي أرادَتْه: كان عاضِلًا لها.

 فأمَّا إن طَلَبتِ التَّزْويجَ بغيرِ كُفْئِها فله مَنْعُها من ذلك، ولا يكونُ عاضِلًا لها بهذا".. [المغني (9/383)]

والعضل محرم؛ لقوله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ).

ولهذا العضل آثارٌ سيّئة.. فكم من فتاة وقعت في الحرام لمّا مُنعت من الحلال..

وكم من فتاة أُصيبت بمرض الاكتئاب والحزن الذي لازمها طول حياتها بسبب العضل..

وكم من فتاة انتحرت، وكم من فتاة كرهت الزواج وعاشت حياتها عانسًا..

وكم من فتاة حقدت على أختها التي تكبرها؛ بسبب منعها من الزواج حتى تتزوج تلك الأختُ..

وقد بعَثَت فتاةٌ قصيدةً تَفِيض بالأسى والحسرة، إلى أبيها الذي حرمها من الزواج حتى ذهب شبابها:

يا والدي لا تحرمنَّ شبيبتي * فلقد مضى عمرٌ من الأحزانِ

لمّا أرى الأطفال تذرفُ دمعتي * ويئنُّ قلبي من لظى الحرمانِ

لمّا أرى غيري تعيش وزوجَها * وبُنَيُّها قد نام في الأحضانِ

لمّا أراها والحنان مع ابنها * ينتابني شيءٌ يدكُّ جَنــانِ

يا والدي لا تقتلنِّي بالأسى * قتلاً بغير مهندٍ وسِنـــانِ

أبتاه حسبُك لا تُضِعْ مستقبلي * أوَ ما كفى ما ضاع من أزمانِ

إن لم تزلْ لم تلتفتْ لرسالتي * فاعلم بأنّ الـلــه لن يــنسـاني

فيا ويل الذي عضلوا بناتهم أو أخواتهم..

فمن منا يرضى أن تكونَ ابنتُه أو أختُه خصمه يوم القيامة؟! والله - تعالى - يقول: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: 47].

ومن رجح عقلُه، وكمل دينه: بحث لبناتِه عن الأزواج الأَكْفَاء، فتلك سنة الصالحين؛ قال الله عن الرجل الصالح: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾، وهذا عمر - رضي الله عنه - يعرض ابنتَه حفصة على أبي بكر؛ ليتزوجَها، ثم على عثمان - رضي الله عنهم – أجمعين.

نسأل الله تعالى أن يُصلح أولادنا, وأن يُعيننا على القيام بحقوقهم, إنه سميع قريب.

***********

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: معاشر المسلمين: إنّ من صور الظلم التي قد يرتكبها بعضُ ضعافِ الإيمان: حرمانَ المرأة من حقّها من الميراث، والميراثُ حقٌّ فرضه الله في كتابه, لا يجوز تعطيلُه أو التحايلُ عليه، قال تعالى: ﴿للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا﴾.

 والقيامُ على حاجةِ البنات والإحسانِ إليهن من أعظم الأعمال الصالحة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو» وضم أصابعه".

اللهم إنا نسألك التوفيق والسداد، والبعدَ عن ظلم النفسِ العباد، إنك ربنا رؤوفٌ رحيم.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

1765267247_كمْ كرَّمَ الإسْلامُ المرأةَ.pdf

المشاهدات 377 | التعليقات 0