خطبة في التنبيه على أضرار وسائل الاتصال والاكتفاء بما حسن
صالح محمد السعوي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة في التنبيه على أضرار وسائل الاتصال والاكتفاء بما حسن
بقلم وتأليف/ صالح بن محمد السعوي
الحمد لله الذي امتن على الإنسان بخلق الأسماع والأبصار واللسان، وأمر بحفظها واستخدامها بما لزم وحسن من الأفعال الحسان.
أحمده تعالى على العفو والغفران، وأشكره سبحانه وبشكره يتواصل الإحسان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللطيف المنان.
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الذي بلغ السنة والقرآن.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي التعقل والاتزان وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتذكروا نعمة الإسلام وأن الله منح العقول ولم يكلف بفرائض الدين وواجباته إلا من كان يعقل ونحمد الله على تمتعنا بالعقول وما دمنا كذلك وقد علمنا ما علينا من أوامر جاءت للامتثال ونواهي جاءت للاجتناب فليكن منا المحافظة لجوارحنا ومن أهمها اللسان الذي قال الله عنه: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق الآية ١٨].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "إنَّ الرجل لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ، ما يَتَبَيَّنُ فيها، يَزِلُّ بها في النَّارِ أبْعَدَ ممَّا بيْنَ المَشْرِقِ والمغرب" متفق عليه
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: "مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ" متفق عليه.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة، قال: "أمسِكْ عليك لسانَك ولْيَسَعْك بيتُك وابْكِ على خطيئتِك" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
عباد الله الحديث في هذا المقام إنما هو تنبيه وتذكير لما هو مستخدم في هذا الزمان ومتواجد في أيدي الناس ذلك هو النقال أو بما أطلق في مسماه انستقرام وسناب شات الذي يُحمل به ما حسن وساء والمصيبة ليست فيما حسن حمله وتبليغه في السبل المشروعة المستفاد منها في دين الله ومستلزمات الحياة المباحة في القول والعمل والفعل، ولكن إنما المصيبة في فتح أبواب الفتن والافتتان واكتشاف عورات المسلمين وما ستر من أحوالهم الخاصة التي لا يرغبون في ظهورها وإظهارها للمجتمع، وكلٌّ له عورة ويسألون الله أن يستر عوراتهم ولا يفضحهم بين الناس،
والله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [سورة النور الآية ١٩].
وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [سورة الأحزاب الآية ٥٨]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: {لا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا في الدُّنْيا، إلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ} رواه مسلم.
وما أغفل البعض عن سوء عواقب الامور فيما يسجلونه بوسائل التواصل الاجتماعي ويَسمعونه ويُسمعونه غيرهم مما لا يجوز نشره ولا سماعه.
وكل ما أحدث في الناس الكراهة والبغضاء فلا خير فيه، وأعظم من هذا التعدي على ثوابت ديننا الحنيف، والإساءة والتشهير بالغير، وإذكاء للقبلية والعنصرية، والنيل من قيم مجتمعنا، مما يعد مخالفةٌ صريحة للشرع وأنظمة الدولة، ومنها (نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية) وهو أمر لا يليق بحال مجتمع آمن، ولم يكن من الحكمة والآداب أن يتخذ بعض المستخدمين لهذه الوسائل الإدمان عليها، وجعلها ملازمة لهم في المجالس والمساجد والبيوت، غير مبالين بمن يجتمعون بهم، وتشتد إساءة الأدب حال قيادة السيارة، لأن الله يقول: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [سورة الأحزاب الآية ٤]، فكيف تكون حاضرية القائد أثناء سيره وهو ينظر ويتمعن أو يقرأ في نقاله، وقد غاب عنه كثرة الحوادث والوفيات والتهالك لكثير من وسائل النقل، إن لم يكن سبق أن أصيب بشيء منها أو بأقاربه وأحبته وأصحابه.
كما تشتد إساءة الأدب حينما تقدم بعض النفوس إلى الميل في هوى الفواحش ونشرها.
والأخذ بالأسوة السيئة وربنا خلقنا لعبادته فقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات الآية ٥٦].
وقال سبحانه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [سورة الحجر الآية ٩٩] حتى يأتيك الموت.
وأعمالنا محفوظة عند الله إن تكن خيراً فخير وإن تكن شراً فشر وستعرض أعمالنا ونعرف عليها، ويقال لنا: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [سورة الإسراء الآية ١٤] كتاباً {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [سورة الكهف الآية ٤٩].
عباد الله أحسنوا في استخدام هذه الوسائل وأثروا على من تحت أيديكم من الأهل والأولاد، وكونوا وسيلة نصح لهم وأروا الله جهادكم فيهم بما يحقق لهم الاستقامة على دين الله وحفظ الأوقات واغتنامها بالعلم والباقيات الصالحات والمكتسبات المباحة، فالدنيا تخدم الدين والمؤمن يدعو الله ويقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [سورة البقرة الآية ٢٠١].
والدنيا متاع وعما قليل ترحل عنها أيها الآدمي بالموت وتتركها.
اللهم أيقظ قلوبنا لتدارك الأعمار وخلصها من متعلقات الحقوق والالتزامات وأصلح الزوجات والأولاد وقهم الفتن والأسواء وامنحهم التوفيق والفلاح والنجاح يا رب العالمين.
اللهم أصلح إمام المسلمين واحفظه وانصره بالدين وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والحراس والمستشارين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة أخيرة في التنبيه على أضرار وسائل الاتصال والاكتفاء بما حسن
الحمد لله الذي جعل الذكرى تنفع المؤمنين، بأخذهم بها ببرهان ويقين.
أحمده تعالى على فضل هذا الدين، وأشكره سبحانه وهو الذي يجزي الشاكرين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله الصادق الأمين.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الهداة المهتدين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وليكن خوفكم من الله ومراقبتكم له في سركم وعلنكم، ورافقوا الرفق والتوءدة والسكينة والطمأنينة في جميع أموركم وأحوالكم وتذكروا تلك الحوادث التي أسلمكم الله منها، واخشوا إن تهاونتم بها أن تصابوا بها.
وعليكم باستدفاع المصائب باتخاذ وسائل دفعها بترك استخدام وسائل الاتصال أو حمل الأطفال في حجوركم أثناء القيادة ولا تستهينوا بأنظمة السير فما وضعت إلا لسلامة الأنفس والمحركات، وأقدروا للقيادة قدرها وكونوا عوناً صالحاً لرجال الأمن والمسؤولين عن الطرق، والشوارع والمواقف وراعوا المصلحة واستدفعوا المضرة.
وخذوا بقول الله عز وجل: ((إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)) ومن صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشراً.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد بعدد لفظات اللسان وحركات الأركان.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الآال وباق الصحب والتابعين وتابعهم بإحسان، واجعلنا ممن تبعهم واحشرنا في زمرتهم يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والحفظ والعون والتسديد، وصلاح البطانة من ولي عهده والعلماء وخيرة المؤمنين المؤتمنين المصلحين.
اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وعم بالصلاح الزوجات والأولاد والمربين والمربيات وجميع المسلمين.
اللهم احفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه واحفظ قادتنا وعلماءنا ورجال أمننا وحراس المحارم والممتلكات واحفظ المرابطين في الحدود وسدد سهامهم واجعلها صائبة لمقاتل الأعداء واحمم دماءهم وأعراضهم وعتادهم واغفر لمن مات منهم وأحسن الخلف على من خلفوا واشف مرضاهم واجزهم عنا خيرًا يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن دلنا إليك ورغبنا فيما عندك ولمن أحسن إلينا وجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين.
والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات.