غنائم الشتاء
فهد السعيد
1447/06/28 - 2025/12/19 18:42PM
غنائم الشتاء
الحمد لله العليم الحكيم؛ لطف بعباده فلم يرهقهم عسرا، وما جعل عليهم في دينهم حرجا، نحمده على ما هدانا وشرع لنا، ونشكره على ما أعطانا وأسبغ علينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ بيده آجال العباد وأرزاقهم، وهو وحده القادر عليهم.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان رحيما بأمته، حريصا عليها، عزيز عليه عنتُها، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأتقياء.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله فمن اتقاه ساد وهدي إلى الرشاد، والتقوى هي النجاة يوم القيامة يوم التغابن يوم الحسرة والندامة (وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون).
أيها المسلمون: انتهاز الفرص من علامات الأكياس، ودليل على الذكاء، واستغلال الفرص واهتبال السوانح عنوان على الفطنة والنباهة، ودليل على الوعي، وكم من إنسان استغل فرصاً فتبوأ من الأمر مكاناً مرموقا، وبلغ من الحظ شأناً عظيما.
إلا أن حديث الناس كلَّ الناس عن فرص الدنيا حتى إن كثيرا منهم إذا تحدث عن الفرص حجرها على أمور الدنيا، وقَصَرها على النواحي المادية فقط، وهذا في نظرهم من العقلاء الأذكياء، وأولي الحظ والنصيب!
وما علموا إن في حياة المسلمِ فُرصًا كثيرة لكسب الخير، والمزيد من الأجر والفلاح والفوز، وتلك واللهِ هي الفرصُ الحقيقيةُ التي لا تُعوَّض، ولكن أكثر الناس عن هذا النوع من المحرومين.
تراهم يغبطون فلاناً على ما آتاه الله من الرزق بسبب قطعة أرض اقتنصها فأصبحت تساوي الآن ملايين، ويغبطون الورثة لأنهم ورِثوا من أبيهم الملايين بلا كد ولا جهد، وذلك متاع الحياة الدنيا، والمرء لا يلام حين يفرح بذلك، وتلك قسائم الله وأرزاقه التي يهبها من يشاء ويحرمها من يشاء لحكمةٍ يعلمها.
فعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن اللهَ قَسَمَ بينكم أخلاقَكم ، كما قَسَمَ بينكم أرزاقكم، وإنّ اللهَ يُعطي الدنيا مَن يُحِبُ ومَنْ لا يُحب، ولا يُعطي الدِّينَ إلا لِمَن أَحَبَّ، فَمَن أعطاه اللهُ الدينَ فقد أحبه).
ولقد ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة فقال ربنا: ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ* نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ* إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ *وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ *وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ *والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون)
أيها المؤمنون: العاقل الحاذق هو من استغل الدينا بما ينفعه في الآخرة، والفطن الأريب مَن ازداد نصيبه من الأجر ومضاعفة الحسنات، ما دام في زمن الإمهال.
وقد كان رسول الله يوصي أمته باستغلال الفرص، لا لأمر من الدنيا ولكن لما ينفعهم في العقبى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ).
أيها المؤمنون: وفي فصل الشتاء فُرصٌ لا تعوض، ونفحاتٌ من أجر، وللشتاء مَحَابٌّ كما له من مكاره، فمن محابه طولُ الليل للمتهجدين، وقِصَرُ النهار للصائمين، وهو بابٌ عظيم من الإنفاق للباذلين.
ومن فرص الشتاء: قيامُ الليل وصومُ النهار، فعن ابن مسعود قال: (الشِّتاءُ ربيعُ المؤمنِ، طالَ ليلُه فقامَه، وقصُرَ نَهارُه فصامَه)
وهكذا كان السلف الصالحون وعباد الله الموفقون في كل زمان
وفي الشتاء حيث يطول الليل حتى إن كثيرًا من الناس يحكي سآمته من النوم، وربما يشتكي ويستبطئ قدومَ الصباح، وما علم أنه في غبطة لم يذق طعمها.
وقد كان السلف يفرحون بقدوم الشتاء لاغتنام لياليه بالقيام، كما قال ابنُ مسعود رضي الله عنه: "مرحبًا بالشتاء تتنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويَقصرُ فيه النهار للصيام.
وحين يطول الليل يجد المؤمن في طُوله مَرْتعاً من الأجور، حين ينسل من فراشه الوثير، فيمسح بيده وَجْهَه، ثم يقوم فيتوضأ للصلاة، وفي كل قطرة ماءٍ تكفيرٌ للخطايا، ثم يصف قدميه لله قانتاً وساجداً وقائماً، يناجي ربه الغفورَ الرحيمَ، والملكُ العليمُ في السماء الدنيا يقول وينادي إذا كان ثُلُثُ الليلِ أو شَطْرُه، فيقولُ: (هل من سائلٍ فأُعطيَه هل من داعي فأستجيبَ له هل من تائبٍ فأتوبَ عليه هل من مستغفِرٍ فأغفرَ له، حتى يَطْلُعَ الفجرَ)
فإن لم يقم من الليل وِردَاً طويلاً فلا يفترُ عن ركعاتٍ ولو يسيرة، وفي الحديث: (مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِن الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِن الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِن الْمُقَنْطِرِينَ)
فإن عجز عن القيام للصلاة دعا بالمأثور وهو على فِراشه، وسأل ربه وهو على سريره.
فعن عبادة بن الصامت - مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أوْ دَعَا؛ اسْتُجِيبَ له، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ.
وهكذا كان رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكثر الناس ذِكرًا للهِ عزَّ وجلَّ ودُعاءً له في جَميعِ الأحوالِ.
ومن فضائل فصل الشتاء أنه يذكر بزمهرير جهنم أعاذنا الله منها، فيزدادَ إيمانُ المؤمنين، وفي الحديث: (اشْتَكَتِ النَّارُ إلى ربِّها فقالت: يا ربِّ أكَل بعضي بعضًا فنفِّسْني، فجعَل لها في كلِّ عامٍ نفَسَيْنِ في الشِّتاءِ والصَّيفِ، فشدَّةُ البردِ الَّذي تجِدونَه مِن زَمْهريرِها، وشِدَّةُ الحرِّ الَّذي تجِدونَ مِن حرِّ جَهنَّمَ).
الشتاء يا مسلمون ربيعٌ ومغنمٌ يسيح فيه المؤمن في روضات الطاعات والقربات.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....
الحمد لله الذي أتم علينا نعمه، وتابع علينا أفضاله، وأمدنا بعظيم رفده ونواله، والصلاة والسلام على نبينا محمد دل أمته على ما يبلغ رضونه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، أما بعد:
لقد كان السلفُ أحْرَصَ الناس على أبواب الخير، فكانت تأتي عليهم المواسمُ وفصولُ السنة ويربطونها بالعبادة؛ فما من موسمٍ إلا ولهم فيه عبادات وطاعات يحافظون عليها ويُكثِرون منها. ومن هذه الأيام أيام الشتاء التي كانوا يعتنون بها ويحثُّون الناس على اغتنامها؛ قال عمر رضي الله عنه: "الشتاء غنيمةُ العابدينَ"، وقال ابن مسعود: "مرحبًا بالشتاء تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام"، وقال الحسن: "نِعْمَ زمانُ المؤمن الشتاء، ليلُه طويل فيقومه، ونهارُه قصير فيصومه"، وقال ابن رجب: "الشتاء ربيع المؤمن؛ لأنه يرتع في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، ويُنزِّه قلبَه في رياض الأعمال الميسَّرة". ولتقدير السلف لهذه الفرصة العظيمة؛ فقد بكى معاذ بن جبل رضي الله عنه عند وفاته وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حِلَق الذكر.
ومن غنائم الشتاء:
الإكثار من الصيام؛ فهو الغنيمة الباردة كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد بسند حسَّنه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصومُ في الشتاءِ الغنيمةُ الباردةُ»، وبوَّب الترمذي باب ما جاء في الصوم في الشتاء، وساق حديث عامر بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغنيمةُ الباردةُ الصومُ في الشتاء»، وكان أبو هريرة يقول: ألا أدلُّكم على الغنيمة الباردة؟ قالوا: بلى، فيقول: الصيام في الشتاء، قال الخطابي رحمه الله: الغنيمة الباردة؛ يعني: السهلة، وقال ابن رجب رحمه الله: لأنها حصلت بغير قتال. والمعنى أن الصائمَ يحوز الأجر من غير مشقَّةٍ ومن غير أن يمسَّه حرُّ العطش أو يصيبه الجوع من طول اليوم.
ومن غنائم الشتاء وهو أهمها وأعظمها:
المحافظة على صلاة الفجر في المساجد مع المصلين.
واسمع لهذه الغنائم والكنوز:
- مَن صلَّى الصُّبحَ في جماعةٍ فَهوَ في ذمَّةِ اللَّهِ فانظرْ يا ابنَ آدمَ لا يطلبنَكَ اللَّهُ بشيءٍ مِن ذمَّتِهِ
- مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ.
- بشرِّ المشائينَ في الظلمِ إلى المساجدِ، بالنورِ التامِّ يومَ القيامةِ
فأين نحن من صلاة الفجر؟!
اللهم وفقنا لما تحب وترضى وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجعل لهم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية.
اللَّهُمَّ أَسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِل
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا
اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ
اللهم إنَّا نستغفرك إنك كنت غفّارًا فأرسل السماء علينا مدرارًا
الحمد لله العليم الحكيم؛ لطف بعباده فلم يرهقهم عسرا، وما جعل عليهم في دينهم حرجا، نحمده على ما هدانا وشرع لنا، ونشكره على ما أعطانا وأسبغ علينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ بيده آجال العباد وأرزاقهم، وهو وحده القادر عليهم.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان رحيما بأمته، حريصا عليها، عزيز عليه عنتُها، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأتقياء.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله فمن اتقاه ساد وهدي إلى الرشاد، والتقوى هي النجاة يوم القيامة يوم التغابن يوم الحسرة والندامة (وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون).
أيها المسلمون: انتهاز الفرص من علامات الأكياس، ودليل على الذكاء، واستغلال الفرص واهتبال السوانح عنوان على الفطنة والنباهة، ودليل على الوعي، وكم من إنسان استغل فرصاً فتبوأ من الأمر مكاناً مرموقا، وبلغ من الحظ شأناً عظيما.
إلا أن حديث الناس كلَّ الناس عن فرص الدنيا حتى إن كثيرا منهم إذا تحدث عن الفرص حجرها على أمور الدنيا، وقَصَرها على النواحي المادية فقط، وهذا في نظرهم من العقلاء الأذكياء، وأولي الحظ والنصيب!
وما علموا إن في حياة المسلمِ فُرصًا كثيرة لكسب الخير، والمزيد من الأجر والفلاح والفوز، وتلك واللهِ هي الفرصُ الحقيقيةُ التي لا تُعوَّض، ولكن أكثر الناس عن هذا النوع من المحرومين.
تراهم يغبطون فلاناً على ما آتاه الله من الرزق بسبب قطعة أرض اقتنصها فأصبحت تساوي الآن ملايين، ويغبطون الورثة لأنهم ورِثوا من أبيهم الملايين بلا كد ولا جهد، وذلك متاع الحياة الدنيا، والمرء لا يلام حين يفرح بذلك، وتلك قسائم الله وأرزاقه التي يهبها من يشاء ويحرمها من يشاء لحكمةٍ يعلمها.
فعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن اللهَ قَسَمَ بينكم أخلاقَكم ، كما قَسَمَ بينكم أرزاقكم، وإنّ اللهَ يُعطي الدنيا مَن يُحِبُ ومَنْ لا يُحب، ولا يُعطي الدِّينَ إلا لِمَن أَحَبَّ، فَمَن أعطاه اللهُ الدينَ فقد أحبه).
ولقد ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة فقال ربنا: ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ* نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ* إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ *وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ *وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ *والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون)
أيها المؤمنون: العاقل الحاذق هو من استغل الدينا بما ينفعه في الآخرة، والفطن الأريب مَن ازداد نصيبه من الأجر ومضاعفة الحسنات، ما دام في زمن الإمهال.
وقد كان رسول الله يوصي أمته باستغلال الفرص، لا لأمر من الدنيا ولكن لما ينفعهم في العقبى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ).
أيها المؤمنون: وفي فصل الشتاء فُرصٌ لا تعوض، ونفحاتٌ من أجر، وللشتاء مَحَابٌّ كما له من مكاره، فمن محابه طولُ الليل للمتهجدين، وقِصَرُ النهار للصائمين، وهو بابٌ عظيم من الإنفاق للباذلين.
ومن فرص الشتاء: قيامُ الليل وصومُ النهار، فعن ابن مسعود قال: (الشِّتاءُ ربيعُ المؤمنِ، طالَ ليلُه فقامَه، وقصُرَ نَهارُه فصامَه)
وهكذا كان السلف الصالحون وعباد الله الموفقون في كل زمان
وفي الشتاء حيث يطول الليل حتى إن كثيرًا من الناس يحكي سآمته من النوم، وربما يشتكي ويستبطئ قدومَ الصباح، وما علم أنه في غبطة لم يذق طعمها.
وقد كان السلف يفرحون بقدوم الشتاء لاغتنام لياليه بالقيام، كما قال ابنُ مسعود رضي الله عنه: "مرحبًا بالشتاء تتنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويَقصرُ فيه النهار للصيام.
وحين يطول الليل يجد المؤمن في طُوله مَرْتعاً من الأجور، حين ينسل من فراشه الوثير، فيمسح بيده وَجْهَه، ثم يقوم فيتوضأ للصلاة، وفي كل قطرة ماءٍ تكفيرٌ للخطايا، ثم يصف قدميه لله قانتاً وساجداً وقائماً، يناجي ربه الغفورَ الرحيمَ، والملكُ العليمُ في السماء الدنيا يقول وينادي إذا كان ثُلُثُ الليلِ أو شَطْرُه، فيقولُ: (هل من سائلٍ فأُعطيَه هل من داعي فأستجيبَ له هل من تائبٍ فأتوبَ عليه هل من مستغفِرٍ فأغفرَ له، حتى يَطْلُعَ الفجرَ)
فإن لم يقم من الليل وِردَاً طويلاً فلا يفترُ عن ركعاتٍ ولو يسيرة، وفي الحديث: (مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِن الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِن الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِن الْمُقَنْطِرِينَ)
فإن عجز عن القيام للصلاة دعا بالمأثور وهو على فِراشه، وسأل ربه وهو على سريره.
فعن عبادة بن الصامت - مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أوْ دَعَا؛ اسْتُجِيبَ له، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ.
وهكذا كان رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكثر الناس ذِكرًا للهِ عزَّ وجلَّ ودُعاءً له في جَميعِ الأحوالِ.
ومن فضائل فصل الشتاء أنه يذكر بزمهرير جهنم أعاذنا الله منها، فيزدادَ إيمانُ المؤمنين، وفي الحديث: (اشْتَكَتِ النَّارُ إلى ربِّها فقالت: يا ربِّ أكَل بعضي بعضًا فنفِّسْني، فجعَل لها في كلِّ عامٍ نفَسَيْنِ في الشِّتاءِ والصَّيفِ، فشدَّةُ البردِ الَّذي تجِدونَه مِن زَمْهريرِها، وشِدَّةُ الحرِّ الَّذي تجِدونَ مِن حرِّ جَهنَّمَ).
الشتاء يا مسلمون ربيعٌ ومغنمٌ يسيح فيه المؤمن في روضات الطاعات والقربات.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....
الحمد لله الذي أتم علينا نعمه، وتابع علينا أفضاله، وأمدنا بعظيم رفده ونواله، والصلاة والسلام على نبينا محمد دل أمته على ما يبلغ رضونه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، أما بعد:
لقد كان السلفُ أحْرَصَ الناس على أبواب الخير، فكانت تأتي عليهم المواسمُ وفصولُ السنة ويربطونها بالعبادة؛ فما من موسمٍ إلا ولهم فيه عبادات وطاعات يحافظون عليها ويُكثِرون منها. ومن هذه الأيام أيام الشتاء التي كانوا يعتنون بها ويحثُّون الناس على اغتنامها؛ قال عمر رضي الله عنه: "الشتاء غنيمةُ العابدينَ"، وقال ابن مسعود: "مرحبًا بالشتاء تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام"، وقال الحسن: "نِعْمَ زمانُ المؤمن الشتاء، ليلُه طويل فيقومه، ونهارُه قصير فيصومه"، وقال ابن رجب: "الشتاء ربيع المؤمن؛ لأنه يرتع في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، ويُنزِّه قلبَه في رياض الأعمال الميسَّرة". ولتقدير السلف لهذه الفرصة العظيمة؛ فقد بكى معاذ بن جبل رضي الله عنه عند وفاته وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حِلَق الذكر.
ومن غنائم الشتاء:
الإكثار من الصيام؛ فهو الغنيمة الباردة كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد بسند حسَّنه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصومُ في الشتاءِ الغنيمةُ الباردةُ»، وبوَّب الترمذي باب ما جاء في الصوم في الشتاء، وساق حديث عامر بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغنيمةُ الباردةُ الصومُ في الشتاء»، وكان أبو هريرة يقول: ألا أدلُّكم على الغنيمة الباردة؟ قالوا: بلى، فيقول: الصيام في الشتاء، قال الخطابي رحمه الله: الغنيمة الباردة؛ يعني: السهلة، وقال ابن رجب رحمه الله: لأنها حصلت بغير قتال. والمعنى أن الصائمَ يحوز الأجر من غير مشقَّةٍ ومن غير أن يمسَّه حرُّ العطش أو يصيبه الجوع من طول اليوم.
ومن غنائم الشتاء وهو أهمها وأعظمها:
المحافظة على صلاة الفجر في المساجد مع المصلين.
واسمع لهذه الغنائم والكنوز:
- مَن صلَّى الصُّبحَ في جماعةٍ فَهوَ في ذمَّةِ اللَّهِ فانظرْ يا ابنَ آدمَ لا يطلبنَكَ اللَّهُ بشيءٍ مِن ذمَّتِهِ
- مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ.
- بشرِّ المشائينَ في الظلمِ إلى المساجدِ، بالنورِ التامِّ يومَ القيامةِ
فأين نحن من صلاة الفجر؟!
اللهم وفقنا لما تحب وترضى وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجعل لهم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية.
اللَّهُمَّ أَسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِل
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا
اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ
اللهم إنَّا نستغفرك إنك كنت غفّارًا فأرسل السماء علينا مدرارًا
المرفقات
1766158929_غنائم الشتاء.docx
1766158940_غنائم الشتاء.pdf